الزائر

 الزائر

د.أسامة محمد صادق
كنت أهمس لأبي بعد أَنَّ ننتهي من وجبة الطعام أن الضيف في طريقه إلينا.
فتحت كلتا يداي فنظر الجميع وأبدوا تأكيدهم بأن الوقت ما زال بعيداً.
أومأ أبي برأسه ثم قال:
- سنسر بلقائه إن كان في العمر بقية.
ثم ما لبثت بعد أشهر وفي ذات المكان؛ رفعت له كفي الأيمن فقط مع اضمامة أصبعين منها.
- ثلاثة أشهر يالسرعة التي تمضي بها الحياة.
قالها أخي الأكبر ثم أومأ أبي برأسه مؤيداً.
حين كان يستبد الشوق بوالدتي إليه تلجأ للاحتفاء بذكراه من خلال طقوس السكينة والهدوء التي تفرضها على أجواء البيت عند نهاية كل أسبوع فيذوب حاجز القلق وينتهي التوتر.
لا يلبث والدي أن يلتحق بأمي للتخلص من المشكلات النفسية المزعجة؛ الذي يفرضه العمل عليه وسوء صحته.
في اليوم الذي يتحدد قدومه نكون قد انتهينا من تأمين مراسيم الاستقبال ومنها ذهاب أبي إلى قبر جدي ومناجاته عن الضيف الذي لم يفارقه حتى وفاته.
وحال وصوله تكون البهجة قد خيمت على الجميع وبتنا نصت على كل قول يخصه، وكل طقس يرشدنا إليه؛ ومنها قراءة الكتب الخمسة التي يحملها معه، وقد نقص منها كتاباً بعد زواج شقيقتي...
السؤال الذي كان يبادرني منذ طفولتي وعند كل زيارة وأجد صعوبة في طرحه أمامه هي مدة بقائه معنا وموعد الزيارة الذي يتقدم كل عام...
حين كبرت علمت بأن مكوثه مقترن بظهور وغياب القمر وأن العشرة أيام التي تتقدم فيها زيارته عند كل عام مرتبطة بأشهر لم تلزمنا المدرسة بحفظها ولم نعرف عنها إلا الشيء اليسير...
كانت ذروة فرحتنا به تبدأ مع غروب الشمس فتجدنا متسابقين في الحديث معه وعنه وما أن ننتهي من سفرة الطعام وتنظيمها بإتقان حتى نتهيأ لطقس آخر جديد ينتهي مع بزوغ الفجر فنجد أنفسنا متعبين فنخلد للنوم على الفور...
تمضي الأيام فيكون تمسكنا به قد دخل مرحلة اَلتَّعَلُّق المقرون بالإحسان والزهد والترفع والتعبد، وسقي الآخر وإطعامه.
وفور ولوج فجر اليوم الأخير نراه قد انتهى من إحصاء أعمالنا والخروج بنتائج نجهل أرقامها ونسبها.
ومع النهاية الجميلة والشيّقة المليئة بِالْحُبِّ وَالرَّاحَة يحزم الزائر أمتعته فنتسابق في وداعه فيكون نصيب أبي الخلوة معه فلا يتركه حتى نجد الطمأنينة قد تلبسته وحال مغادرته يرسم لنا أبي بإصبعه في الهواء مجموعة خطوط افقية ومستوية ثم يغير وجهة سبابته الى السماء ويقول:
- لقد أخبرني بأن لقائنا سيكون عند باب الريان...

تعليقات