رواية صدى مكحول.. صرخات وتساؤلات



رواية صدى مكحول.. صرخات وتساؤلات

 أسامة محمد صادق

(لا أدري لماذا تكون الغيوم سوداء وهي محملة بالماء ؟ لمـــــــاذا تكون سوداء وهي مصدر الخير ؟ أيكون التشاؤم الاسود مبعثاً للخير ؟ لعل هذا هو السبب الذي جعل بعض الناس يرتدن الأسود ...))
بهذه المقدمة المثيرة يبدأ الروائي ابراهيم حسن ناصر مشوار روايته (صدى مكحول ) الصادرة عن مؤسسة الشبكة الثقافية والاعلام لعام 2014وهي الرواية الثانية من حيث الاصدار والرواية الاولى  (البكر) للمؤلف ، إذ ان الرواية (شواطئ الملح شواطئ الدم ) قد سبقتها بالانتشار منذ (26) عاماً وبالتحديد 1988 ،أي بعد إستشهاد الروائي بعام ولقد نالت من الجوائز والمكانة والشهرة الكثير واصبح أهل قريته (إسديرة ) يدينون للناصر ويحملون ذكراه وأرثه على ألسنتهم الى الان .
 صدى مكحول كتبت عام 1983 يوم كان المؤلف طالباً جامعياً وهي الرواية التي جمعت في طياتها ملاحم واساطير متنوعة (الحب ، الحرب ، الجمال ، الخراب ، القرية، الموت ، الحياة ) وقد جاءت بـ (126) صفحة من القطع المتوسط تدور احداث الرواية في قرية إسديرة قضاء الشرقاط موطن الروائي ومولده وهو المكان الذي لم يتجاهله في الرواية الثانية آنفة الذكر وأعطاها مساحة واسعة في الحديث عنها .
سر الالتصاق بالمكان وقع فيه أيضاً الروائي محسن الرملي ابن القرية ذاتها وموطن صباه عبر (روايته تمر الاصابع , حدائق الرئيس ) وكــذلك في روايــــة (دا بادا) للروائي حسن مطلك أبن إسديرة والمدفون في مقابرها ..ولم اجد تفسيراً لتكرار المكان الا بعد زيارتي الخاصة للقرية إذ تبين ان السبب لا يعود الى القرية المتناثرة في مساحات واسعة لا حدود لها ولا بطبيعة خلابة تجذبك حال مشاهدتها .ولا بعمرانها الذي  يكاد أن يكون في نواته الاولى ...
بل إنه يعود الى أهلها( شبابا ً وشيوخاً ، مثقفون وجهلة ، صبياناً وصبايا ) الذين يعتنقون الشعر كدين ثاني لهم بعد الاسلام ويستمدون من الأدب طقوساً وشعائراً واحجيةً يعالجون فيها مرضاهم ويتخذون منه سحراً لكسب ود الحبيب وافتراسه...
أبطال الرواية لا يتعدون أصابع اليد الواحدة كأشخاص ...
المختار عطية السلمان ابو ممدوح .
كل شيء في القرية مرتبط به ..المحاصيل تجمع ثم ينزلها للسوق ، وكل عقود الزواج لا تتم إلا بموافقته ، بل والطلاق أيضا ً وحتى الجنود مسؤول عنهم المختار ، يملك سجل يحوي كل أسماء أبناء القرية ومواليدهم ، فالذي يحين موعد خدمته العسكرية يبلغه المختار ويأخذه للتجنيد في القضاء .....عطية السلمان صاحب اكبر شارب في القرية وأطول سبحة ، له عشرة اولاد وبنت واحدة متزوج من ثلاثة نساء ، أبنة عمه وهي الكبيرة والثانية كردية ولا يعرف أحد أهلها بل وحتى موطنها بالضبط ،أما الثالثة وهي أصغرهن فهي بنت أحد الفلاحين تزوجها عندما توفي والدها بإحدى الصواعق الرعدية التي أحرقت بيتها ليلا ً فلم تنج الا هي ، فتزوجها رغم إن الشائعات تقول انها كانت تحب أحد اولاده !!...
هذا البطل وأنت تقرأ سيرته تكاد تجزم أن الرواية ستنتهي به لتنوع صفاته ومكانته لكنك سرعان ما تجد ان ذكره يختفي في الصفحة (22) من الرواية اي بعد أن يتزوج ولده محمود من حسنة وتهرب العروس في ليلة عرسها فتعجز القرية عن اللحاق بها ..فتموت غرقاً ...!!
البطل الثاني ومحور الرواية (مخلف النايف) الذي يكره الحرب ، القروي ، الذي يمقت القيود والجلوس بلا حركة ، الاسمر الوجه ، الطويل ، الذي لم يحصل الا على الدراسة المتوسطة ، الاعزب ، المحب للكتب ، المطالع بنهم ، المتغني بأشعار العرب ، المؤمن بالفطرة ، الملحد !! المحب الكاره ،الصلب ، الضعيف .
مخلف النايف مجموعة تناقضات ورثها عن أجداده .
التحق الى الجيش لحاجته المادية وفقره...يخرج مع رفيق السلاح (خلدون) في دورية استطلاع لمعرفة اماكن وتحركات العدو ، ثم ما يلبثوا حتى تعترضهم دورية للعدو فيضطروا لمشاغلتها ويقتل ثلاثة من افرادها ويأسر احدهم ويهرب الاخر ..وعند استنطاق الاسير يكتشفوا انه يتحدث العربية وانه جاء مضطراً بعد قتل أخيه من قبل الحكومة الايرانية في زمن الشاه وقتل الاخر في زمن الخميني ..
وانه الوحيد لعائلة كبيرة من النساء الامر الذي دعاهم الى اطلاق سراحه ..واثناء طريق العودة تصادفهم عاصفة ثلجية قوية تنتهي بموت خلدون ونجاة مخلف النايف بأعجوبة وعند وصوله لوحدته العسكرية يأمر له بإجازة يستغلها لإتمام عملية عقد القران والزفاف من حبيبته لكنه يكتشف انها ماتت غرقاً بعد ان أجبرها والدها الجشع بالزواج من إبن المختار ممدوح ..هذه الاحداث سرعان ما تأخذك هي ايضا ً لأن تتخيل احداث ستنم عن تطورات وشيكة تقع لاحقاً وإنها ستكون مثيرة ولامجال يخالف هذا التوقع ..لكن المفاجئة ان الرواية تأخذ منأى بعيد كل البعد عن الحدثين السابقين من خلال البطل الثالث (نمر خليل سالم ) الذي يتخذ من آثار اشور الملاصقة لمكحول مأوى له ، فيعده اهل القرية من المجانين لا يخرج الا في الليل فيكتشفه (مخلف النايف ) صدفة هو يروم عبور النهر سباحة يبحث عن (حسنة ) حبيبته ليصل للضفة الاخرى فتحدثه نفسه للذهاب الى آثار أشور التي اندرست في جبل مكحول فيجده ، ويدور حوار طويل جدا وممل يكتشف فيه انه فلسطيني وان احداث اليمة قد قادته لهذا المكان بعد مسيرة ايام وشهور وليال مع البدو وقد اختار أشور ليكون بعيدا عن الغزو الصهيوني وحال العرب وما وصلوا اليه.
 والحقيقة لم أجد ترابط بين مجريات احداث البطل الثالث وبين الرواية خاصة حين ينتهي عزم الاثنين في الذهاب الى الجبهة لمقاتلته العدو ..
الرواية متشظية في احداثها ولا تستطيع لملمتها لتحصل على نتيجة مقنعة فالمؤلف اراد ان ينتقل من عالم لأخر ..صرخات لجميع العصور وتقاطعات وتساؤل عمن ينقذ البشرية ؟ لهذه الارواح التي تزهق يومياً والى التشبث بالحياة وبهجتها بطريقة يصعب فهمها او التفاعل معها
عتبات الكتابة في رواية الغربان للروائي ليث الدحام

يعد العنوان الابرز في ترتيب عتبات الكتابة القصصية وهي مفتاح اساسي يتسلح به المحلل للولوج في اغوار النص العميقة وهو الدال ، والحكاية هي المدلول ، فاذا ما جاء متناغما ومتفاعلاً مع بقية العتبات فأنه يمكن التوقع من خلاله عن مدى نجاح العمل من عدمه .. الغربان جاءت ضمن تصنيف العنونة المفردة المعرفة بـ (ال ) التعريف ليشكل جسراً للعبور الى منطقة المتلقي وقد نجح الروائي الى حد ما ان يجعله اكثر حركية في التواصل ......
عتبة الاستهلال تعد المفتاح الثاني للقراءة بعد العنوان ومن خلاله تحسم توجه الرواية وتشكل رؤيتها وبيان نموذجها والاستهلال يقسم الى اربعة انواع (الاستهلال الحكائي ، الوصفي، المشهدي ، الحواري ) . الروائي استخدم الاستهلال الثاني هو الاستهلال الوصفي ..اذ يقول ((منذ ذلك المساء والسماء لاتزال ملبدة بالغيوم ، مسفرة عن وجه مثقل بالتوقعات والريبة ..والنهر في الجوار ينساب ببطء متهالك متناسياً أيام تلاطم امواجه العاتية على الصخور ....)) لقد جاء هذا الاستهلال ليكون تعزيزاً واتقاناً لهذه الالية مع اقامة صلة وثيقة مع العنوان وقد كانت بحق مغرية للدخول في عالم الغربان ومتنها النصي الذي جاء وفق الخيبات التي راح الروائي يسردها لنا ويفصلها كلاً على حدةٍ ، ويعيد لملمتها في مشاهد متكررة .. والخيبات هي ..
1-عودة مهيب سالما ً مذلولاً من ارض المعركة ..
2-وفاة الاب بعد معاناة ما بين ما كان يتمنى ان يعود ابنه منتصرا او شهيدا وبكليهما يزداد الاب شرفا ً ورفعة .. وما بين هلاك البلد وتدمير من دون حول ولا قوة واتهام مهيب والجنود بالخيانة اجبرته ان يرحب بملك الموت ويسلمه روحه بهدوء ..

3-حنان (قتلوك ايتها الحبيبة برصاصاتهم الحقود وقتلوا معك مستقبلي وتاريخي وكل شيء جميل في هذه الحياة توفيق ...وهو صاحب مهيب ذو الصوت القوي المتماسك وهو يخطب في حشد الرجال المقاومين يقضى نحبه وهو يقاوم بشجاعة وبسالة . الغربان التي بقت مستمرة بنعيقها المزعج كأنها تعزف الى جواره سيمفونية الهزيمة الكبرى كل هذه الخيبات انتهت لأن يتوغل في التشرد والعزلة فيقيم كوخا على النهر ليعيش في فوضى مخيلته والتي تنتهي بصراخ مجنون (لو مت مع اقراني من الجنود لكان خيرا لي من هذا العذاب) تمثل نهايات النصوص الادبية عموما ً، والسردية خصوصاً خواتيم تؤثر كثيراً في التشكيل النهائي والحاسم للنصوص لأنه من دون نهايات ناجحة على اي نحو من الانهاء لا يمكن ان تقوى النصوص في اقناع القارئ بعد القراءة الاولى وهي تمثل مرحلة العبور سواء تعلق الامر بالمبدع ام القارئ وان بلاغة الخاتمة القصصية لرواية الغربان (خاتمة مشهديه) عملت على توظيف آليات مستعارة من المسرح و السينما في آن واحد ..فاستذكار البطل لمعركة الجسر ، والمشاهد المؤلمة لسنين الاحتلال البغيض وجثث النساء الغارقة في الدم ،واشلاء الاطفال المتناثرة في الطرقات وركام البنايات المحطمة وحنان التي قتلها جنود الاحتلال برصاصاتهم ووالده كلها مشاهد دعت من مهيب ان يربت على قبضة بندقيته ويتجه لينتقم من اعداء الانسانية والسلام ..

تعليقات