فوق جسر الجمهورية ..رحلة معلقة بالأمنيات

 


فوق جسر الجمهورية ..رحلة معلقة بالأمنيات

أسامة محمد صادق

تعد الرواية برأي الجزء الثاني  لرواية ساعة بغداد إذ تبدأ من حيث أحتلت بغداد وسقطت بيد مغول العصر الجديد  وبالتحديد مع ظهور أول دبابتان أمريكيتان فوق جسر الجمهورية في ( 9 نيسان 2003) وكيف نجحت العائلة المتكونة من (4) افراد فقط من مغادرة العراق في رحلة بعيدة لبلد مجاور لم يذكر أسمه طيلة احداثها كما لم يذكر أسم البطلة (السارد الذاتي للرواية) وكل ما وصلنا من عاشقها المراهق صاحب الدراجة الهواية انه كان يخطئ بكتابته ويجعل الف الاخيرة من اسمها ممدوداً وليس مقصوراً...وانها كانت ساذجة وبريئة تندهش لأتفه الاسباب لا تجيد سوى  المشاعر المحلية ، وليست ذكية مثل اختها سارة التي اصبحت فيما بعد طبيبة..

ومنذ اليوم من وصلوهم تظهر علامة الإنهاك الشديد لأمها ما لبثت ان توفيت بعد اسبوعين من رقودها في المستشفى لتدفن في يوم عاصف ممطر ويبدأ فصل يتلوه آخر من  الحزن والذكريات والرسائل الروحية والاحلام التي رافقت البطلة واختها.

 أجادت الكاتبة  (شهد الراوي) في ترويض المشاهد عبر نوتات سردية تنقلك من حزن لأخر، في مشاهد توضح لنا صورة الام الست سهاد منذ ولدتها وحتى وفاتها والغريب أنها  فصلت عنا دور الأب الذي بدا لنا مجموعة من الاسرار يمشي على قدمين ، غامض في مشاعره وردود افعاله يواجه الحياة بالنظريات والمعدلات الفزيائية ورغم ذلك لم يكن شاذ التصرف بل كان عطوفاً ومحباً للجميع ..

لم تخرج الرواية عن السرد المتواتر في تناول أحداثها وان تخللتها الكثير من الاسترجاعات الزمنية المتقنة في التناول ، والطابع الاجتماعي والاسري كان مهيمنا تماماً على الاحداث إذ لم تتعدى الحكاية البيت والجامعة التي تدرس فيها البطلة وسارة والاحياء القريبة وثانوية العقيدة في بغداد والبيت الكبير (بيت الجد والجدة من امهما) .

وقد كان ظهور (داليا) ابنة الخالة المتهورة صاحبة المغامرات المجنونة منذ البداية وحتى مقتلها دعامة مهمة ساعدت على نضوج الرواية وكبح بعض العقد التي كان تظهر هنا وهناك  وتفسيرها بطريقة لا تخلو من الدعابة واللامبالاة  .

كما أن ظهور شخصية (مصطفى) المرحة ذات الحس الفكاهي وسريع البديهية والعفوي  الطالب العراقي الوحيد في الصف الدراسي  (للبطلة) مهم هو الأخر إذ انيطت له مهمة تغير الفضاءات في الرواية  وانقاذها من رتابة الاحداث المتكررة الى اخرى غير متوقعة تماماً وساحرة ومشوقة ..

في حين كانت شخصية (سامو) الدعامة الأخرى للرواية والتي زادت  من متانتها رغم أنها بقيت شخصية ثانوية لم تتطور ومسالمة دون ضجيج يقدم المساعدة تلو الاخرى للعائلة ويملك روح متسامحة وقلب مفعم بالحب الذي كان يدون الاحداث في دفتر صغير مع صور يلتقطها بين الفينة والاخرى ويعدها مهمة في سبر شخصيات الرواية  وكشف خفاياها .

واذا ما اردت أن اختم بعد هذه القراءة الدقيقة أقول أن شهد الراوي وعبر (47) فصلا لم تكن ابداً مملة في طرحها ولغتها والحوارات الموظفة بذكاء وفطنة وأنا تستحق أن تبقى في المشهد الروائي العراقي وتعيد تنصيبها بنفسها كأميرة للمرة الثانية على التوالي .

تعليقات