رواية ساعة بغداد.. الواقع والخيال والوهم والحلم
د. أسامة محمد صادق
عبر الايام الاربعة التي انقضت كنت من بين الناس الذين كانوا يسبحون في فراغ زمني اختلطت عليهم القرون السحيقة مع السنوات الحديثة رأيت فيها نبوخذ نصر وسمير أميس يجلسان في مطعم يعمل فيه يزدجرد كسرى نادلاً ويلبس هارون الرشيد ملابس عسكرية يهدي لشارلمان ساعة رملية ما لبثت ان سقطت وتكسرت ورأيت الخليفة المعتضد يحمل قاذفة ويهرول من اجل تدمير تمثال الجنرال مود.
وتألمت ايما ألم وانا استلم من الرحالة العربي الشهير ابن جبير كتابه تذكرة الأخبار عن اتفاقات الاسفار يصف بغداد بالمدينة العتيقة الذي ذهب رسمها ولم يبقى الا اسمها ، يحصي الحرائق في شارع الرشيد وشارع السعدون وشارع ابي نوأس، والاغرب من كل هذا وذاك انني وجدت ونفسي فرداً تاريخياً يمر من امامه اناس يلبسون الخرق البالية ،ويعتمرون اغطية رأس قديمة يطلقون اللحى ويذبحون البشر الذين لا يشبهونهم.
وحين حاولت العودة وجدت نفسي امام ساعة بغداد بوجوهها الاربعة المختلفة كل جهة تشير لوقت مختلف وتاريخ مختلف لا يمكن وصفه الا بالفَجِيعَةُ ، والنَكْبة ، والمصيبة المؤلمة !!!
الايام الماضية سادتي واحبتي انقضت رغم روتين الحياة اليومي الممل مع رواية ساعة بغداد لشهد الراوي التي جاءت بـ(258) صفحة والصادرة من دار الحكمة في لندن ، وما يمكن قوله انها اجادت عرض الاحداث وفق الزمن المناط بها والمرحلة العمرية التي عاش فيها الابطال (الطفولة والمراهقة والشباب والامنيات) ،في محلة راقية من أحياء بغداد في مطلع التسعينيات من القرن الماضي .
و(الراوي) في الرواية وما يسمى (الأنا الثانية) للروائي شخصية من شخصيات الرواية ، وهي طفلة تجد نفسها مع عائلتها في ملجأ محصن ضد الغارات الجوية الأمريكية، ومن هذا المكان يخرج عالم المدينة وتفاصيل حياتها المثيرة، أغانيها وموسيقاها وطموحات ابنائها ومصائرهم المختلفة بأسلوب السرد الذي يقوم على نظام خطي واضح ضمن تصوّر الزمن معتمدا على التدرج في وقوع الأحداث، الحدث الأول، ثم ينتقل إلى الحدث الثاني، والثالث وما بعده.
أي يتطور كلما تقدمنا في الزمن ثم ما يلبث أن ينقطع فجأة لتبقى الاحداث دون تكملة ولولا تدخل المستقبل بأسلوب جديد ورؤية سردية حديثة في قبول الأوهام والأحلام كجزء حقيقي من الواقع . لبقيت الاحداث غامضة يكتنفها التشويش ..
الرواية رغم مشاكل الزمن في توظيف بعض احداثها كقصة أسامة وزواجه من هيفاء ثم خيانتها مع شخص غريب وكشفها من قبل ابنتها (ملائكة ) و اختفاءها معه يتناقض تماما مع عمر البطلتين ودراستهما في الجامعة ،وغموض الاختفاء والعودة (لباجي نادرة ) زوجة عمو شوكت ، وقصة المشعوذ وامور اخرى .
الا ان الاستنتاج النهائي والمحصلة التي وصلت اليها عبر هذه القراءة الممتعة إنها (الرواية النظيفة) كما يروق لشهد الراوي تسميتها لأنها لا تتعمد كما تقول (عن أي إثارة خارج منطق الأحداث التي صنعها الواقع والحلم والذكرى والوهم بعد الحد من دور العقل والمنطق في رسم النهايات الطبيعية المتوقعة، هناك نهايات مفتوحة وأسئلة لم تتم الإجابة عليها وهكذا هي الحياة بمجملها” )
وان العمل بحد ذاته يحمل طريقة جديدة وجميلة وبارعة وغريبة في تناول الاحداث من خلال توظيف الأحلام والذكريات والأوهام ومزجه بالواقع، وبالعكس..
انها رواية لجيل ولد في الحرب وعاش في الحصار وهاجر في أعقاب الاحتلال الامريكي البغيض وما نتج عنه من حروب اخرى لم تنتهي الى الان ..
تعليقات
إرسال تعليق