دراسة تحليلية /لكتاب كردستان ككيان ضمن الخطة الدولية بدا من جنوبها


الدكتور باسل مولود يوسف 

الحمد لله رب العالمين ، العليم ، الخبير ، البصير ، الواسع ، ذو الجلال والإكرام ، أحمده أبلغ حمد وأشمله وأنماه ، أحمده خيرا حتى يبلغ الحمد مداه ، والصلاة والسلام على رسوله الأمين ، سيد الأولين والآخرين سيدنا ونبينا ( محمد بن عبدالله ) وعلى آله الطيبين الطاهرين ، وصحبه المنتجين الأخيار .
أما بعده: أقدم هذه الدراسة التحليلية لكتاب كردستان ككيان ضمن الخطة الدولية بدا من جنوبها و كما يلي:
اسم الكتاب : كردستان ككيان ضمن الخطة الدولية بدأ من جنوبها المؤلف المحامي الشيخ سالار الحفيد.
رقم الإبداع : (1063( سنة 2012 المديرية العامة للمكتبات العامة السليمانية
مكان الطبع : المديرية العامة للمكتبات العامة:
سنة الطبع : 2012 الباحث إن المؤلف غني عن التعريف ، ولكن الضرورة علمية موجبة أقدم نبذة مختصرة عن حياته . هو الشيخ والمفكر : سالار بن الشيخ محمد بن الشيخ حسن بن الشيخ محمد بن السيد الحاج كاكا أحمد ( العالم الكبير والفقيه من أكابر علماء الأمة الإسلامية وصاحب المدرسة الفقهية في مدينة السليمانية المعروف بالنودي . إن المؤلف ينتمي الى أسرة علوية ترتبط بنسل الرسول الكريم محمد بن عبدالله ( صلى الله عليه وسلم ) وأن الشيخ ينحدر من أسرة دينية اتخذت من التصوف خيارا فكريا ومسارا اجتماعيا ، فإن لمباديء الدين الإسلامي أثر كبيرا و مهما في بناء شخصيته ، ورسمة له الطريق الصائب لحياته الفكرية والأخلاقية وقوانينه الإجتماعية الذي أثرت في سلوكه، وحددت مدى علاقاته مع الآخرين وإنارة طريقة مستقبله وقدرته على إرادة وتنظيم وبناء حياته ومن هنا انبثقت منه الواجبات القيادية والأدوار المهمة لهذه الأسرة في المساهمة في أخذه دورا قياديا في المجتمع الكردي.
التحصيل العلمي : بكالوريوس في القانون – جامعة البصرة – 1369 – 1970 مارس المحامات وكان من أكفأ وأحرص من مارس هذه المهنة.
يتمتع المؤلف بعلاقات واسعة وطيبة مع رموز الشعب الكردي من شيوخ ووجهاء ورجال سياسة وقادة ومثقفين ورجال دين ، وعلماء ، وفقهاء ، ورجال الدولة ، وأدباء ، في عموم كردستان كما تميز به من حسن خلق ، ورباطة جأش وسعة صدر وغزارة علم وفيض معرفة وسرعة بديهية ، أختار الوسطية في كل مفردات حياته مقتديا بمنهج أجداده الكرام مبتعداعن مصادر وعناصر الغو والتطرف والتشدد ، له علاقات واسعة وطيبة مع كل الأطراف الكرد والعرب والأتراك والفرس وغيرها من الأمم المجاورة. ومن هذا كله ومن خلال علاقتي القريبة منه ، أصبح لزاما عليه أن أرد جميله عليه ارتأيت أن أقدم هذا الجهد البسيط كرد جميل وعرفنا لجنابه الكريم له نشاطات دولية واقليمية كثيرة حيث حمل قضية شعبه الكردي وصال وجال فيها وكان سفيرا أمينا مخلصا لها وله نشاطات عديدة منها مساهما في لجنة حقوق الإنسان للأمم المتحدة، وكذلك مستشارا للمساعي الحميدة لجماعة المشرعين الأوروبين ، وتارة أخرى ممثلا دائما لهيئة الأمم في جنيف من أجل السلام والتعاون.
عمل كمنسق بين الجبهة الكردستانية والهيئة العليا لمنظمة اللاجئين الدائمية للأمم المتحدة وعمل كعضو مؤسس بمجلس ولاية الموصل وكان عنصرا مثابرا ومكافح وناشط مميز فيها ، وهو عنصر مشارك في تأسيس الهلال الأحمر .
تربطه علاقات وثيقة مع شيوخ ووجهاء ومفكرين وأدباء من اقليم كوردستان مرورا بوسطه ثم الى جنوبه وهو من رموز وشيوخ وأمراء عشائر العراق له كلمته الفصل في كل محفل هو حاضرة أثرى الثقافة بالغزير من العلوم والمؤلفات التي لها الأثر الكبير في مكتبات الصروح العلمية في العراق .
المنهجية العلمية للمؤلف فالتأليف عملية علمية أدبية تحتاج الى مهارة وخبرةفي السياسة واللغة وفن اجتهادات وتعليلات في وضع الحدث التأريخي وشكله في المكان السليم وقد وجدنا إن المؤلف مفسر جيد وشارح متمكن لها وقد إهتم بالقيمة الفنية والحقيقية الصادقة لتلك الأحداث ، بقدر ما اهتم بإصطياد غريب الكلمة وكلمتها المجهورة إثارة وتبيين حقيقة الحدث.
وهنا أعنى بالقيمة الفنية للحدث النظرة المتكاملة الى الحدث ، كونه وحدة فنية متكاملة قائمة بذاتها تتمتع بهيكل عرضي سليم يمثل جانبها الزمني ، وبمضمون علمي ناضج يمثل طاقتها الفكرية، ومن هذا نجد ان المؤلف أوجد مقياسا علميا جديدا تميز عن سابقيه هو مقياس المقارنة والمصاحبة والتحليل للوقائع والتحليل المبرمج والدقيق للحدث.
عرض المؤلف الكثير من الأحداث التي مر بها الشعب الكردي وطرح معاناته ، فتجلت في تلك الطروحات أماني الشعب الكردي وتطلعه الى الحرية واللحمة بين قومياته وأديانه المتأخية والمتألفة ، كما صور لنا المؤلف أن السيوف العمياء بيد الطغاة لا تفرق بين عربي وكردي أو تركماني أو غيرهم إنما توزع شرها على كل الأطياف والملل والمذاهب وهذه المصيبة هي التي جعلتهم يتسورون حول مائدة الأخوة الأبدية، كما أن المؤلف اعتمد على النزعة الواقعية الإنتقادية والواقعية أهم أشكال التأليف وأعمقها تأثيرا في النفوس إذ انصبت جهوده الإبداعية في أنه كتب الأحداث التي عاشها وشاهدها وادلى بدلوه فيها بحيادية تامة ، عبرة عن وازع ديني أثر في سلوكه الشخصي انعكس على إرادته العلمية لتفاصيل الكتاب بكافة فقراته.
منهج الدراسة اعتمد المؤلف على التأصيل التأريخي والتحليلي في سرد الأحداث والتطورات السياسية في المراحل المختلفة وتحليلها ونقدها، وبيان ترابطها وعلاقتها بالمواقف والسياسات الإقليمية ، والسياسات الإقليمية والدولية أي أقصد ان الباحث قدم لنا دراسة مزدوجة تأصيلي تأريخي ، ودراسة قانونية شملة ( الاتفاقيات ، المعاهدات ، المؤتمرات ، المقررات الدولية والإقليمية ، تجاه القضية الكردية ) والعمل على بلورة رؤية واضحة عنها ووضعها في إطار دراسة تحليلية ونقدية بشكل موضوعي وعلمي.
أهمية الدراسة لاشك أن هناك مجموعة من البحوث والدراسات المتعددة كتبت عن قضية كوردستان والصراعات الدولية والإقليمية بشأنها ، ولكنها مبعثرة هنا وهناك وتختلط فيها القضية الكوردية في كل من العراق وايران و تركيا وسوريا.
إذ أن الشعب الكوردي وموطنه كوردستان مقسم بين عدة دول مختلفة ، وتبعا لذلك فإن القضية الكوردية لها خصوصيتها التي تميزها عن نظيراتها في الدول الأخرى وهنا شمر المؤلف عن ساعدية وعقد النية في خوض هذه التجربة التي لايخفى على أحد صعوبتها وذلك لقلة المصادر المكتوبة وصحتها إضافة الى قلة الدراسات الخاصة في الإتفاقيات والمعاهدات الدولية وتقديم الشروحات الوافية عن هذه الموافق والسياسات ، فتجشم المؤلف عناء البحث والتمحيص ولم يدخر جهدا الا وبذلوه بحث واجتهد كثيرا في بطون الكتب والمصادر الأخرى ، إضافة الى ذلك قدمه لنا الكثير من الجهود الفردية التي صبت في صلب الموضوع وهذا كلف المؤلف جهدا كبيرا يستحق عليه كل الثناء والتقدير وقد واجه المؤلف صعوبة وتغلب على تلك المواقف الى حد كبير بالبحث والتحليل الرفيع لتلك المواقف والسياسات الدولية والإقليمية وجمعها من مصادرها و قدم لنا هذا الكتاب الثمين الغني الذي سيرفد بها الصروح العلمية ، وتكون مادة العلمية أصلية تفيد طلاب العلم والدراسات الخاصة بالأمة الكوردية.
هيكلية الدراسة وبغية الإحاطة بموضوع الكتاب قسم المؤلف كتابه الى ثلاثة فصول وفق مراحل تأريخية مختلفة ، ففي الفصل الأول فيه ناقش التأصيل التأريخي القومية الكردية وتناول فيه الدولة الميدية وهوية الدولة الميتانية الكوردية ثم تدرج بنا الى تأريخ الأكراد قبل الإسلام وعصر صدر الإسلام وناقش أهم الحكومات الكردية في ظل الإسلام .
أما الفصل الثاني ناقش فيه الأكراد والدولة العثمانية وكما يلي الأكراد يدخلون أوروبا ثم ناقش الإتجاه الأوروبي الى الإمبراطورية العثمانية ، ثم ناقش دور الأكراد في العصر السلجوقي ثم استرسل المؤلف في الكتابة عن تأريخ الأكراد في ايران في عصر الصفويين ، ثم قدم لنا شرح وافي عن معاهدة أرض روم وناقش قضية كوردستان في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
أما الفصل الثالث: فقد ناقش فيه المؤلف العديد من المواضيع وأهمها كوردستان والقضية الكوردية ، ثم ناقش الاستيلاء على مدينة الموصل وناقش جانب مهم لأبرز القيادات الكوردية تحت عنوان رجال صنعوا التأريخ تناول فيها ( الملك محمود الحفيد ملك كوردستان والملا مصطفى البارزاني وعلي العسكري ) وقدم لنا شرح وافي عن كل من تلك الشخصيات التي كان لها الأثر الكبير في حياة السياسية والاجتماعية في كوردستان ، ناقش المؤلف العديد من الاتفاقيات والمؤتمرات كما ناقش المؤلف خارطة الشرق الأوسط الجديد وموقع مشروع ولاية الموصل الجديد ، كما ناقش حالة حقوق الإنسان في العراق ، وفي ولاية الموصل ، ناقش المؤلف قرار (688) الصادر من مجلس الأمن وتداعيته تناول الباحث سيرة السيد انطون كلر سكرتير المشرعين الأوروبيين كما ناقش المؤلف إعلان مملكة العراق في بغداد في ( 30 مايو 1932 ) كما ناقش الضمانات الدولية لحماية الأقليات ، كما ناقش المؤلف العديد من النشاطات والفعاليات للشيخ سلالار الحفيد في المحافل الاقليمية والدولية وعرض لنا الكثير من المراسلات والمخاطبات والاتصالات للشيخ المؤلف وقدم شرح تفصيلات تلك الرسائل والمخاطبات وتوقيتاتها وظروفها وملابساتها ولم يترك اي ثغرة أو فقرة من فقراتها الى وقدم لنا شرحها وتفصيلها وبيانها .
أهم ما توصل اليه الباحث فبعد الحرب العالمية الأولى كانت المصالح الاستعمارية للحلفاء الاوروبيين خاصة بريطانية وفرنسا على مناطق نفوذها بعد اكتشاف النفط لاول مرة في هذه المناطق ، هي التي حالت دون تنفيذ الوعود التي أعطيت للكورد في معاهدة سيفر 1920 بانشاء كيان ذاتي للكورد ، وبدلا من ذلك تم تقسيم مناطق كوردسان الخاضعة للامبراطورية العثمانية الى ثلاثة أجزاء بين تركيا والعراق وسوريا الحديثة ...... وبالتالي فإن هذه السياسة الاستعمارية هي التي أدت الى فشل ثورة (الشيخ محمود الحفيد) في كوردستان الجنوبية وثورة الشيخ (سعيد بيران) في كوردستان الشمال .
بعد الحرب العالمية الثانية ومرحلة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفيتي ، فالسياسات الدولية والإقليمية هي التي أدت الى القضاء على جمهورية كوردستان في مهاباد في أعقاب الحرب العالمية الثانية ، وكذلك الى انهيار ثورة الشيخ محمود الحفيد وما تلاها من أحداث.
يمكن ملاحظة قلة الاستفادة من التجارب والأحداث الماضية وضعف الحنكة السياسة لدى بعض أفراد القيادات الكوردية وقلة خبرتها و دراستها بالسياسة الدولية والإقليمية ، ومدى تأثرها بالمصالح الاستراتيجية لهذه القوى في المحطات والمنعطفات المهمة على مدى القرنين الأخرين ، هذه الحالة كانت وراء انخداع وانبهار القيادات الكوردية ببعض الوعود والمواقف من قبل بعض القوى الإقليمية أو الدولية ، التي سرعان ما دفعه بعض القيادات الى الدخول في تحالفات سريعة وفاشلة في كثير من الأحيان ، ونتيجة لذلك تصبح القضية الكوردية ورقة بيد بعض هذه القوى الإقليمية والدولية التي .أعلنت تنكرها لقضية الكورد بعد بلوغ مآربها. يرى المؤلف بعد مناقشته لموضوع دراسته الى أحد أهم الأسباب التي كانت تشكل دوما عائقا أمام الشعب الكوردي لتحقيق أهدافه في إنشاء الكيان السياسي المستقر في المراحل التأريخية يعود لجملة من الخلافات والنزاعات الداخلية بين القيادات الكوردية والتي كانت تدفع بهم في كثير من الأحيان الى حد استخدام العنف والإقتتال والإستعان بقوات خارجية لحسم الخلافات الداخلية والتي كان سببا في زعزعة الثقة بالقيادات الكوردية ، الشعب الكوردي شعب عريق وله خصائص ومميزات أية أمة من بين الأمم والشعوب المجاورة له من العرب والكورد والفرس في هذه المنطقة المهمة من العالم، ورغم عدم تهيئة الفرص أمامه لبناء دولة موحدة خاصة به الا أنه أستطاع أن يحافظ على خصائصه وثقافته المتميزة لأنه طوال المراحل التأريخية السابقة أي : قبل الحرب العالمية الأولى كان يتمتع بنوع من الإستقلالية وكانت له امارات مستقلة خاضعة فقط بصورة اسمية للدولة العثمانية وكذلك في العهود الإسلامية السابقة ، ورغم تقسيم كوردستان بين الدولتين العثمانية والصفوية بعد معركة (جالديران) في عام (1514) بصورة فعلية ، إلا أن الامارات الكوردية استطاعت أن تحافظ على استقلاليتها ، والسبب الأساسي في ذلك يعود الى أن الدولة العثمانية كانت معروفة بالتعدد العرقي ولكن لديها طموحات سياسية أو أيدولوجية لصهر الكورد عدا السيطرة على مناطقهم والاستفادة من قدراتهم القتالية في مواجهة الدولة الصفوية .أما بعد الحرب العالمية الأولى ونتيجة للسياسة الاستعمارية الظالمة فقد تعرض الشعب الكوردي هذه المرة الى التقسيم على أربعة دول قومية متطرفة في كل من ايران وتركيا والعراق وسوريا ، مع جزء صغير خامس تم إلحاقه بأرمينية السوفيتية ، وأن هذه الدول فرضت إدارة مركزية صارمة على المناطق الكوردية وحاولت بشكل أو بآخر صهر القومية الكوردية في بوتقة القومية ذات الأغلبية الحاكمة في تلك الدول ، ومنذ ذلك الحين بدأت معانات هذا الشعب بشكل أخطر وأشد من المراحل التاريخية السابقة. السياسات الدولية والاقليمية المتقاطعة والمتعارضة في المراحل التأريخية المختلفة هي التي كانت تشكل العائق الأكبر أمام حصول الكوردي على حق إثبات هويته وبيان حدود كيانه السياسي الخاص به كامنة عريقة أصيلة ثابتة الجذور. وأخيرا في ختام تقيم هذا الإنتاج العلمي المتميز ، لابد لنا أن نشيد به الجهد الرائع الذي بذله شيخنا وأستاذنا المؤلف وخاصة فيما يتعلق منها بالسياسات الدولية والاقليمية المختلفة ومواقفها المتقاطعة والمتضاربة تجاه قضيته في القرنين الأخيرين ، وأتمنى أن تضع هذه الدراسة الخاصة بالقضية الكوردية في المراكز المختصة بالبحوث والدراسات الاستراتيجية وذلك لدقة معلوماتها وحداثتها تميزت عن غيرها من الدراسات بأن المؤلف جزء وشاهد عيان على تفاصيلها. كما لاحظت حرص المؤلف على بث روح الأخوة والتعايش السلمي بين الشعب الكوردي بعضه البعض أولا ثم بين الشعب الكوردي والشعوب المجاورة الأخرى ، ونقل ثقافة التسامح كوسيلة حصادية ناضجة لحل الخلافات والصراعات بين الأمم والشعوب والجماعات البشرية.
أسأل الله التوفيق والتيسير
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

تعليقات