بسم الله الرحمن الرحيم

دراسة للمجموعة القصصية (غصن الياسمين)
للقاص (أسامة محمد صادق)

الدكتور باسل مولود يوسف


الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اكرم المرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى ال بيته الأطهار وعلى أصحابه الغر المحجلين.
أما بعد
فتعتبر القصص القصيرة بوصفها نتاج ادبي استجاب اليه القاص، ودوّنها فنا قصصيا، وليس من اليسير الإحاطة بجميع قواعدها من الكاتب او الناقد على حد سواء ولكن حسبنا نجتهد ونثابر حتى نصل الى المقام المحمود الذي نبتغيه والكمال المطلق هو لله وحده.
يوصف الحدث بانه سلسلة من الوقائع المتصلة تتسم بالوحدة والدلالة وتتلاحق من خلال (بداية، وسط، نهاية)(1)، ويعرف بانه نظام نسقي من الأفعال(2) أو (هو الفعل أو مجموعة من الوقائع الجزئية منظمة على نحو خاص ويتحدد بناء الحدث القصصي من مجموعة متواشجة من الوقائع والأفعال السردية المترابطة والمنظمة على نحو خاص(3)
ولدى دراستنا للمجموعة القصصية (غصن الياسمين) للقاص (أسامة محمد صادق) والصادرة عن دار تموز/ دمشق/2011، وجدنا الحدث في كل قصة يختلف عن الأخرى وكما يلي:
الجرح: الحدث فيها امرأة من اهل المدينة تتزوج في قرية وتتبدد آمالها وأحلامها من السعادة الى المأساة وتذيقها الحياة الأمرين.
القرار: الحدث فيها قصة رجل يعيش حياة طيبة سالمة، ثم تدور به الدائرة الى حياة صعبة عسيرة ليس لها من السعادة نصيب ويتخذ من سارة طبيبة له.
اغتيال: ويحكي فيها (البطل محمود) الرجل الوطني وكيف دارت به الأحداث وبسبب دخول المحتل الأمريكي الى بغداد يموت مقتولا ويلقى في بيت مومس.
الوليمة: وحكايتها تختلف عن سابقاتها رجل له طموح سياسي ويقيم وليمة ليدعو الناس الى انتخابه كعضو في البرلمان ويدركه الموت قبل بدء الانتخابات.
المحظوظ: وتحكي عن قصة رجل يطمح بحياة حرة كريمة في طلب وظيفة وبعد جهد يجد نفسه ممنوع من التعيين مجتث من الحياة.
غصن الياسمين: الحدث هو أمنية رجل يطمح بزواج امرأة تكون معلمة وحبيبة وصديقة ويفاجأ بزواجه من امرأة صعبة المزاج مختلفة الطباع وتتبعثر تلك الأحلام ويصطدم بالواقع الجديد.
وعند استرسالنا في القراءة وجدنا ان الحدث هو عنصر الحركة والتشويق ولعب دورا مهما في هذه المجموعة، وربط بين أجزائها، فاقترن بالشخصية والزمان والمكان(4)، ليكون عنصرا تركيبيا في الحدود التي يكون فيها جزءا من اطار أوسع، وبهذا تمكن القارئ من التقاط الحدث من خلال انشغاله مع عناصر أخرى(5)، وتميز في القصص التالية (القرار – الجرح – الوليمة – غصن الياسمين – السراب – خريف الوهم – طيور الظلام).


وللحدث ارتباط بعناصر مهمة وكما يلي:
ارتباط الحدث بالشخصية
تعرف الشخصية بانها أحد الأفراد الخياليين او الواقعيين الذين تدور حولهم الأحداث، والشخصية محض خيال يبدعه المؤلف ولغاية فنية محددة يسعى اليها، عند اطلاعنا على القصص في مجموعة غصن الياسمين اختار القاص الشخصيات المناسبة لكل قصة ورفدها بالتفصيلات المستمدة من الحياة اليومية او العادية وسعى جاهدا لتقريب صفات الشخصية المنتخبة من الشخصية العادية وكان منهجه دقيقا في ذلك وتعامل معها بحرية مطلقة، أي بأيديولوجية خاصة فمنحها تميزا واضحا كشخوص لا نماذج بواسطة الرسم المتكامل للصفات والخصائص وقد أجاد باستخدام نظرية رباعية الأبعاد مفادها:
(1)   تعدد زوايا السرد.
(2)   تعدد الأصوات.
(3)   الحس بالمفارقة.
(4)   الخلاف بين الحقيقة والمظهر – وبين السري العلني(6)
التعامل مع الشخصيات من قبل القاص عبر مؤشرات خارجية (جسدية) وأخرى تخيلية، معنوية ونفسية، وبهذه الاعتبارات اظهر لنا القاص شخصيات رئيسة وأخرى غير رئيسة(7)، وكان بارعا وأعطى مجالا للمتلقي لفهم التفاعل بين الشخصية والعالم الشكلي على نحو اكثر مرونة.
فمعالجته للشخصية الرئيسة (البطل)خضير في الجرح.
ومحمود في اغتيال.
وحامد في طريق الوهم.
الراوي نفسه في القرار وسارة.
قد تمحورت عليه الأحداث والسرد وقد أوهمنا البطل في كل قصة من المجموعة بموقف بطولي فردي، وقد حاول بتطوير الشخصيات بالتدريج بصراعها مع الأحداث، وبدأت تتوضح لنا صورة الشخصيات الرئيسية في القصص تختلف تبعا لانسجامها وتصالحها مع ذاتها(8)، أي المنطقية في تصرفها، ولكن هذا الجانب المضيء لم نره في الشخصيات الرئيسة لقصة الوليمة، ولو تروى القاص قليلا لتمكن من ابرزها، وحقيقة رسم البطل في هذه القصة أضاع علينا الرؤية والصورة الجميلة للأشخاص الرئيسيين.
إضافة الى ذلك كانت الشخصيات مندمجة وقد خلى منها العمق السيكولوجي وكانت ذات مستوى واحد في صراعاتها، وقد نقصها عنصر المفاجأة وقد كانت ارتباطاتها من خلال علاقة تلازم وتلاحم.
الزمن
وهو عنصر من العناصر السردية يقوم على إنتاج المعنى، وتحويل النظام السردي الى قصة، ومنها كون مستوى درجة تجاوز الواقع فإن الزمنية شرط أساسي في الإنتاج القصصي وهو زمنان:
الأول: زمن القصة بوصفها خبرا أو حكاية.
الثاني: زمن السرد وهو الذي يهيمن على القصة الفنية(9).
الملفت للنظر ان القاص قد اختزل أحداث كثيرة ولم يذكر أحداث يفترض إنها لا بد من ان تقع بين الأحداث المذكورة وباعتقادي ان القاص استخدم تقنيات وتكنيك عالي بالاستعاضة عنها بسطور قليلة غنية وغزيرة بالمعلومات وهذا قد يحمد في جانب منه اختزل القاص بعمليات استبطان لذخائر شخوصه والانحراف في وصف خواطرها كما في قصة الجرح، عبق الذكريات والوهم.
لم نرى في قصة المحظوظ استشراق او استنباط زمني كما رأيناه في القرار والوليمة و طيور الظلام، وقرقعة النعل وخريف الوهم، وكما معلوم لدى الجميع يحتاج الى تقنية خاصة وما لاحظناه هو استشراق بملامح بسيطة جدا قد يظهر بومضات ويختفي فجأة ولا نريد ان نعزي الأسباب فقط على القاص وإنما نوع العمل أيضا يحدده لان ظهوره بشكل واضح يتجلى في القصص الطويلة أو الروايات.
لقد وصل التباطؤ الى ذروته في خريف الوهم و عبق الذكريات فشغل القاص صفحات القصص من الوصف والتعليق، وكعادته استخدم براعته في التقسيمات الزمانية التي ساعدته في إقامة البناء وتنظيمه في الحدث وقد ارتقى الزمن بمستوى البناء الحديث المقتضب (وهو فهم مسار الأحداث كان وقتيا).
ارتباط الحدث في المكان
لا يمكن ان يقال عن المكان في العالم القصصي انه مكان حقيقي وإنما هو مكان مصاغ من الألفاظ لا من موجودات وصور(10).
لقد اختار القاص الأماكن في مجموعته القصصية واستعان بها لخلق الأيهام بالواقعية وخلق تصور المنظر القصصي ليقذفه في ذهن المتلقي، فالمكان الذي رسمه في هذه المجموعة وبتصورنا مجموعة من الكلمات الخطيرة تبعا للتجلي اللساني في رسمه وتحديده، وقد رسم الأماكن بشكل جيد، رسم لنا (البيت، وبيت العمة، والمسجد والمنارة)، وأوصلها لنا بشكل رائع وكون لنا، تفاصيلها بكلمات مختصرة وسطور قليلة متكاملة الفكرة في أذهاننا من خلال هذا الوصف.
المفروض ان طبيعة المكان تعطي مدلولا صحيحا ودقيقا عن الشخصيات ولا بد من الإشارة ان هذا المبدأ تجلى في عدد من القصص من هذه المجموعة (القرار، الوليمة، اغتيال) واختفى في (السراب والمحفوظ) وهناك صورتين للمكان في هذه المجموعة قد تجلت صورهما وهي:
المكان الأليف وهو رمز الالتجاء والاحتواء الإنساني وتجلى هذا المكان في المسجد في قصة القرار والوطن في قصة اغتيال(11).
المكان المعادي وهي الأماكن التي لا يشعر الإنسان بالألفة نحوها بل العكس من ذلك ليشعر نحوها بالعداء، (غرفة العروسة في قصة الجرح، القرية المشؤومة التي حصل فيها الزواج وما رافقه من مآسي، منارة المسجد، بيت العمة في القرار.
من جانب اخر ارتبط المكان بأحداث القصص في هذه المجموعة وقد وظف القاص الأماكن تنظيما دراميا ممتاز للأحداث، ولولا تفاعل القاص ذاتيا وهندسة لهذا التنظيم ما استطاع من إنجاز مهمته في توظيف الأماكن، واستيعاب وتأطير الأحداث لفرض إكمال بناء الحدث في الأماكن المخصصة لها(12).
أي بمعنى اخر لا يمكن بناء الأحداث في الأماكن الضبابية ويعد الحدث هو المحرك الأول لكل عناصر السرد من خلال ارتباطه بها، ويعتبر اللبنة الأولى أو الحجر الأساس الذي يضعه الكاتب لبناء عمله القصصي.
ثم بعد ذلك يفتش عن شخصيات لهذه الأحداث والأفعال، ومن ثم يغلفها بفضاء يمنحها زمنا ومكانا متلائمين ينتهي بها الى تشكيل عمله السردي فالحدث يتداخل بشكل او بآخر مع كل العناصر الفاعلة والعاملة الى إنجاز العمل القصصي في المجموعة القصصية (غصن الياسمين).
المنهج الذي استخدمه القاص في غصن الياسمين هو الثنائية الشكلانية (المتن الحكائي، والمبنى الحكائي)، ولم يستخدم الثنائيات الاخرى، وكانت الفكرة والتسمية واضحة وحقيقة قد تناسب القصص القصيرة، وقد ظهرت تميزا خاصا في قصص غصن الياسمين، وقد أبدت بناءا منظما في الحدث لكل قصة من القصص (القرار، الوليمة، المحظوظ، السراب، قرقعة النعل.
فضلا عن كون الثنائية التي استخدمها القاص كانت الخطوة الأولى التي أظهرت فكرة الانساق البنائية القصصية حيث ساهم في ظهور هذا النسق في كل قصة من المجموعة وتجلت في أجمل صورها وأحلاها في طريق الوهم، واغتيال، وقرقعة النعل، والسراب والقرار.
ظهور فلسفة خاصة للقاص في بناء الانساق البنائية، وقد تمكن في اظهار المتن في (غصن الياسمين، السراب) وجعل منه قصة اعتمدت على الزمنية والسببية في تنظيم أحداثها.
ويبين المبنى بوصفه الطريقة التنظيمية التي اعتمدت فيها الفنية والتلاعب بالمشاهد من خلال التقديم والتأخير في القرار وغصن الياسمين واغتيال وطريق الوهم، فهذا دليل على أهلية هذه الثنائية في بناء الحدث وغياب هذا التأثير في قصة الجرح.
غير أننا لاحظنا في الوليمة والمحظوظ، كانت القصة مستمرة لان الراوي هو نفسه البطل، وهذا المؤشر انطبق على بعض القصص في هذه المجموعة علما ان هاتين القصتين لما تكونان من قصص المغامرات والقصص المفتوحة.
لقد ساهم هذا الأسلوب (المتن الحكائي والمبنى الحكائي) في فهم الوضع النفسي لقصة القرار، الجرح، اغتيال، الوليمة، غصن الياسمين، فضلا عن ابراز القيمة التي تحتويها.
استطاع القاص من رسم الأمكنة بالكلمات التي ترتادها الشخصيات، وقد حاول القاص في قصة القرار بتحويل الدار والمسجد الى نص مقروء وقد اتصف هذا التعبير المكان مع تعطيل وقتي للزمان، وبهذا أضاف لقصته واقعية للأحداث الجارية فيها، وكذلك تجسدت نفس الرؤية في قصة الجرح عند عرضه صورة المرأة المسنة، ووصف الشمس كأداة للجمال والزينة، ووصف تلك العلاقة بين الشمس والإنسان ورسم لنا صورة جميلة هي كيف كانت تداعب تلك المرأة شعر البطل وتلقي بظلال المحبة والحنان عليه.
ولكن الملفت للنظر، لم تظهر صورة زوجة الأب بشكل واضح بالرغم من ان المفروض يكون دورها اكبر وترسم لها حدود أوسع من ذلك.
وختاما إن هذه القراءة تضيف الى المجموعة حلية جديدة وتقوم وتصوب ما أغفله القاص فيها، ونسأل الله تعالى ان يوفق القاص في ذلك.

الهوامش

1.      محمد يوسف نجم: فن القصة: سلسلة الفنون الأدبية (9)، دار الثقافة، بيروت، 1966، ص33.
2.       رشاد رشدي: فن القصة القصيرة، دار العودة، بيروت، ط2، 1975، ص84.
3.       يمني العيد: فن الرواية العربية بين خصوصية الحكاية، وتميز الخطاب، دار الآداب، بيروت، ط1، 1998، ص47.
4.       نهاد التركلي: عالم الرواية، رولان برولانوف، دار الشؤون الثقافية، ط2، بغداد، 1991، ص114.
5.       محسن جاسم الموسوي: الرواية العربية (النشأة والتحول)، ط2، دار الآداب، بيروت، 1988، ص38.
6.       نهاد تركلي: عالم الرواية، مصدر سابق، ص43.
7.       سمير روحي الفيصل: الروايا العربية، ط2، اتحاد وكتاب العرب، دمشق، 2001، ص71.
8.       سامي محمود: الرواية العربية وصنعة وكتابة الرواية، الجاحظ للنشر، بغداد، 1981، ص49.
9.       محسن جاسم الموسوي: عصر الرواية، منشورات مكتبة التحرير، بغداد، 1985، ص88.
10.     المصدر نفسه، ص91.   
11.     محمد يوسف نجم: فن القصة: سلسلة الفنون الأدبية (9)، دار الثقافة، بيروت، 1966، ص33.
12.     رشاد رشدي: فن القصة القصيرة، دار العودة، بيروت، ط2، 1975، ص84.

تعليقات