قراءة في مؤلفات أسامة محمد
صادق الأدبية
محمد عبد الستار الجنابي

فمن خلال قراءته الكثيرة للعديد من الروايات والقصص العربية والأجنبية والعراقية
. وما يستغرقه في الإمعان بنصوصها وما هو مؤثر في الجانب النفسي و ما يشغل العقل ويسرح
به في عالم الخيال الإبداعي ، كل ذلك أدى إلى أن يعكسه من خلال ما يكتب ، فقد جاء
في مجموعته الأولى المتأخرة في الحضور ( غصن الياسمين) والصادر عن دار رند
للطباعة والنشر والتوزيع / دمشق 2010 ، والمتضمنة
(15) قصة قصيرة (من ابرزها الجرح ، القرار ، اغتيال غصن الياسمين ،طيور الظلام) ما
يعكس ذلك الانطباع المتمثل بالإمعان والخيال والوقار وهي المجموعة البكر التي حظيت بمباركة الكثيرين كان من بينهم الشاعر علي
الغوار الذي كتب عنها (أسامة محمد صادق ومدينته القصصية) جاء فيها ( أن مجموعة القاص
أسامة محمد صادق القصصية غصن الياسمين تبدوا في مخيلتي (يوتوبيا) معتزلة عن ضوضاء المدن
المسلولة بالصراخات ودخان القرقرات والمقاهي .
هي: ليست معلقة في السماء ، بل تمكث
في جزيرة أحلام تخاطب السماء وتداعب أزهارها تحت الظلال الزيزفونية .دخلت مدينة أسامة القصصية الصغيرة وهي بلا أبواب ومغالق ومزاليق وانسدادات
. كانت عذراء مراهقة بنفسجية القلادة لكنها مستحية من الرقص تحت المطر عارية ، تحمل
أناقة الحشمة ووصايا العجائز)) .
كما كتب عنها القاص جمال نوري والذي يعد بنظر
القاص أسامة محمد صادق معلمه الأول في اتقان هذا الفن الصعب، قال فيها .
((اذا كانت اللغة برأي (رولات بارت)
هي التي تتكلم فأن قصص مجموعة القاص أسامة محمد (غصن الياسمين) تفصح عن الكثير عبر
معالجتها واقتناصها للواقعية القصصية التي يتعامل معها بمسالمة وروية عبر لغة سردية
متواترة تميل الى الواقعية وتفاصيلها مع تغيب مقصود وأحيانا ًللمخيلة لكي يرتفع هاجس
القاص في انتقاد واقعه المزدحم بالمواجع اليومية وهو لا ينفك مع ذلك ان يخرج عن محنة
التواصل الأسري والعلاقات الطارئة التي يجدها خروج عن النسق التربوي ألبيتي الذي جبّل
عليه)).
كما كتب عنها أيضا الشاعر والكاتب ( مهند التكريتي رئيس اتحاد
أدباء صلاح الدين) في مقال طويل نشر في الصحف والمواقع الإلكترونية بعنوان(غصن
الياسمين إطلالة على مواجع الزمن) جاء فيه .
(ومما يمكن أن يقال عن المجموعة بأنها
مجموعة قصصية متميزة، برع فيها القاص في تحريك
الفعل وتحويله إلى كلمة وتحويل الكلمة إلى فن يُجاد التلاعب بآلياتها ـ بكل بساطة واقتدار
ـ عبر سياقات قصصية تعبر عن الموقف النفسي والاجتماعي من مشكلات الحياة وتناقضاتها
حين تواجه الذات الفاعلة عقم الحياة المطعم بانكسارات وتناقضات الواقع فتتكثف رؤيته الفنية للإفادة من اتجاهين أحدهما
واقعي والآخر رمزي في سياقات نصّية محرّضة على حراك فني ترتدي زي الكلمة كقناع لعرض
الحقيقة فينعكس التناقض القائم في الواقع المعيش؛ ليسكن سياقات النص فيعبر عن الصراع
القائم بين النقيضين: الزائف والمتأصل, الفعل والاستلاب, الحلم البريء في مقابل الواقع
المؤلم, مما يجعل هذه المجموعة تتغلّف بحس بسيط شفيف يعبر عن الحلم المفقود والحب الضائع
وانتظار ما لا يجيء ) .
في حين نالت هذه المجموعة بقدر كبير من اهتمام الشاعر (جاسم
الدوري) الذي اختصر قصص أسامة بقصيدة
جميلة بعنوان
ذكريات خارج التوقع
غصنكَ ما زالَ غضاً
وربيعُ عمركَ أكلهُ الخريفْ
قبل َ هطولِ المطرْ
ما عادَ عُطرُكَ يفوحُ شذاهْ
الترابُ يعلو هامتكَ
أيها النخلُ الفارعُ
شتاؤكَ عاقرٌ
وصيفُ عمركَ مشكوكٌ فيه
وتعلمُ أنَ خريفكَ وهمٌ
والأشواك تهددُ عمركَ بالنفي
خارجَ مملكةِ النورْ
أحملْ جرحَكَ ... وأرحلْ
لا ترقص فوقَ الجمرِ
وتحرقْ نفسكَ بالثلجْ
فحصادُ الرقصِ سنينَ عجافْ
ما عادتْ هناكَ مراقدُ آمنة
تروضُ فيها أسرابَ أيائلكَ
ما عادَ لجرحِكَ أن يتعطرَ من ضوءِ الشمسْ
يغلقُ مسامعُكَ طنين ُ الوهمِ
ما عادت للخاتونِ من الأيام
سوى أحلامٍ ضائعةٍ
لا تتزينْ ....
أحلامُكَ زوبعةُ شتاءٍ
وحبكَ سعالٌ من عسلٍ مغشوشْ
ولياليكَ عاطلةٌ
هجرتها الأضواء منذُ سنينْ
والمقبرةُ تسكنُ قربَ سريركَ
والموتُ يرافقُ ظلكَ
ما بين الحينِ ... والحينْ
أفكارُكَ ما زالتْ مجمرةً تتشظى
لكنكَ موجوعٌ في العمرِ
وفي عينيكَ عتابٌ مخذولْ
وسكونٌ لاذعٌ يقتلُ صمتك
ما زلتَ تحلمُ حتى ألآنْ
وبناتُ نعشكَ سبايا للغرباءْ
وسماؤكَ باكيةٌ
ونجومكَ خجلى
ترقصُ بين يديكَ كحباتِ المرجانْ
ومراكبُكَ المثقوبةُ
راحت تضحكُ منها الريح
أكلتها الأمواج بلا استئذان
صارتْ عنواناً لحكايا إنسان
ظلَّ يغني للحبِ
فاخضرَ العودُ بهِ
حتى صارَ كغصنِ ألبانْ
أما مجموعته الثانية (لا شيء كالشمس) والصادرة
عن دار تموز للطباعة والنشر سوريا 2012 فقد جاءت بسبعة عشر قصة (ابرزها الحارس، عودة
سلطان ، وطقس استثنائي ، شاهد البطولة ) حظيت هي الأخرى بحب القراء واهتمام
المعنيين فقد كتب عنها الكاتب والناقد (عامر الفرحان) مقالا مطولا جاء في ابرزه (لم يكن تناوله واقعياً
مجرداً كتحصيل حاصل من وجهة نظر القاص ولكنها صورة فلسفية نقدية ذات إيقاع بطيء مبتعداً
عن تحجيم اللغة أو الجمود والتكرار والزخرفة...بل جاءت الأحداث وفق معيار متفرد غائر
في بساطة الأسلوب ونقاط الدلالة والرمزية وجمالية السرد الحكائي وتوظيف الأدوات بأسلوب
يشاطر القاص الذي برر في حفل التوقيع بقوله انه تناول مجموعته القصصية وفق الرؤى التي
استحوذ عليها من شخصيات قصصية وروائية أخرى؟؟.
في حين كانت
للشاعر (علي الغوار) رؤية أخرى عبر عنها
وفق مقالته المنشورة في 10\9\2013 (تطل بين أعيننا قصص أسامة محمد بإشراقات جديدة بعد
إشراقات قصصه السابقة، مغرية بقراءات الفكرات المسرحية العفوية المملوءة بأنفاس التعايش
الاجتماعي والشخصاني والوجداني، في واقعية الحدث وبراءة الأسلوب التعبيري خارج حدود
البوح الفكراني، لا خيال مفرطاً بالكذبة القصصية المثالية. لأنها ولادات ظاهرة الواقع
وحركاتها، ولاريب أن الإفراط في خوض الواقعية المادية، وتاريخها، وتطورها يفقد القاص،
والشاعر والفنان روحية الرومانسية، والجمالية في الفكرة ، وجوهرة الميثولوجيا المبدعة؛
فالرومانسية والجمالية في فلسفتي عشق الجمال والطبيعة بطريقة التعذب الإنساني ،وهما
جناحان يحلقان بالواقع. وما جاء به السحر معبرا عن تواضعه بيوم الزينة؟
يذكر أن القاص أسامة محمد صادق لم يتوقف عند كتابته للقصص
بل انه حاول أن يجرب ويكتب الرواية فكانت (زمن الرماد ) الإطلالة الأولى التي
صنفته كروائي عراقي جديد يخوض غمار هذه التجربة بنجاح وانها كانت من بين الروايات
العربية المشاركة في مسابقة كتارا القطرية 2014وانها أيضا قد نالت مكانة أكاديمية
حيث تناولها احد الطلاب الجامعيين كبحث
تخرج بعنوان (مكونات السرد في الرواية القصيرة
دراسة فنية (رواية زمن الرماد) انموذجا .
في حين أخضعها (الدكتور باسل مولود يوسف ) إلى دراسة
نقدية مطولة قال عنها (هناك بعض الأحداث الوصفية
التي استخدمها الراوي هي تزينيه وتجميلية, وكان وصفه خالصاً, قد يبدوا وللوهلة الأولى
لا ضرورة له بالنسبة للدلالة, وبرأيي أنه كان موفقاً في منح روايته إبعاد جمالية وشكلية
للأشياء الموصوفة في روايته. نهض الوصف في رواية زمن الرماد بمهمة تطوير الحدث وتجديد
عرضه, وتأكيد على نحو فني يتصف بالطواعية, والإبداع على حد سواء وقد وجد الوصف في زمن
الرماد على نوعين.
وصف المكان وظهر في مكان الاعتقال من خلال تقديمه أماكن التحقيق
وأماكن الاعتقال وأماكن المقاضاة, وكان وصفاً رائعاً بالرغم من قساوة المكان و وحشيته
, وحدد الموجودات واستخدمها ببراعة, وكون صورة مكتوبة مقروءة ومتخيلة.
أما شخصيات الرواية فقد قام الروائي بمهمة مميزة ونقلها من
نطاق عالمها الحي المجرد إلى نطاق آخر تدور أحداثه على الورق, وهي بدورها تعد مؤكدة
لحدث أو أحداث الرواية فهي التي تقوم بالأحداث.
أما الرواية
الجديدة (رغبات أظلت طريقها ) والتي انتهى منها قبل اشهر وتخضع حاليا للمراجعة
والتمحيص وقد نشر بعض منها في المواقع
الإلكترونية جاءت مغايرة من حيث الحدث والحبكة عن سابقتها ونستطيع القول إنها رواية عاطفية وجدانية لا تخلو من السياسية )
ويظهر من خلال ما
ذكر أن أسامة محمد صادق كان مراعيا الجانب الخَلقي والأخلاقي ونحا نحواً عربي مواكب
الحداثة فيه ولم يرتكب في كتاباته خطأ من خوارم المروءة متنحّياً عن المجون والتجريح
العقائدي والمعاني المستهلكة.
حيث أنه أوصلنا الى شاطئ نرى فيه أن الحداثة هي تجديد لعهد
الأدب الذي هو مشتق من الآداب والأخلاق المثالية التي يتمسّك بها الأنسان وهو ممتحنٌ
بها في أقسى الظروف. بل إنه يستحق أن يكون أديبا في معناه الحقيقي لغة واصطلاحا، وحق
اليقين،لفهمه العميق لمعنى كلمة أديب ،ولا ارى قولي فيه الا اقل مما يستحق يذكر .
.
تعليقات
إرسال تعليق