على شفا جسد....انطباع قارئ
8 أيلول 2012 الحادية عشر مساء يوم السبت
كان ذلك في تكريت ..ذات أمسية ما حين أهدت لي زميلتي رشا
فاضل (( سرا ً !!)) روايتها الموسومة على
شفا جسد هامسة بأنها تمنت لو تمتلك الكثير
منها لتهديدها للجميع ....الأمر الذي جعل مني أن أتعامل بأنانية مفرطة , وأخبئها
وليسامحني من سمع عني بحيازتها , وكتمت الأمر عنه , وأقصد بذلك صديقي الروائي
المبدع ليث الدحام
..........................
على شفا جسد رواية صادرة عن دار شرق غرب – ديوان المسار جاءت بمئتين وأربعون صفحة وإنها قد حازت وبجدارة على جائزة من جوائز دبي الثقافية للأبداع لعام 2011
...تقول البداية.
((كانت ينابيع خوفي قد بدأت تجف بين صاروخ وأخر وكان
أملي بالفناء قد بدأ يتضاءل ....
بداية أوشت لي إن أحداثها تحمل أكفانا للموتى والأحياء
على حد سواء وان اعتناق الصلاة والتزام الأدعية لم يكن تضرعا ً طلباً للنجاة بل
انه استجداء أخر للموت في زمن الموت وفي بلد أصبح فيما بعد مقاماً لا يحلو
لعزرائيل تركه حتى بعد حين ....
زهرة ...بطلة الرواية والتي أعلنت عن اسمها في الصفحة
(19) كانت تعمل بصفة متطوعة في الهلال الأحمر تنقل رسائل المعتقلين من والى ذويهم
... عمل لا يمكن لرجل مهما كانت شجاعته ان يقوم به في زمن عايشه الجميع ويتمنى ان
لا يعود ....
كانت البطلة تتجاهل حقد الأمريكان وهي تعبر سيطراتهم وتتجاهل احتقارهم وتحتقر المترجم الذي يلح على
تفتيشها , ومعرفة اسمها وهويتها ... تردد في قلبها وهي تمضي ...(أنا عراقية مثلك
..شربت من مياهك نفسها ولجلدي رائحة تشبه رائحة جلدك فهي من طينة ارض واحدة أنجبت
الصالح والطالح مثلك ......لكني لا اخفي
وجهي عن الشمس والهواء ...فأرضي حرز تحميني من الرصاص الغادر , ولوجهك لثام لن
يحميه من عتاب الوطن ...
كانت (زهرة) تظم بكاء إلام الى صدرها وهي تقص عليها كيف
إن الأمريكان جاؤوا في الليل وجروا ولدها من السرير من بين اطفاله وزوجته , وقلبوا
البيت فوق رؤوسهم ... كسروا كل شيء وإنها منذ اعتقلوه لم تعد أخباره ......
ومع إصرار الأم لمعرفة موعد إخراجه من المعتقل تقف البطلة
ما بين إعطائها الأمل في الخروج ومابين القوانين التي تعلمتها من هذه المهمة الإنسانية
بالحذر والابتعاد عن منح الوعود والعهود وتخطي الحدود.
فضح تلك الجرائم كان من بين الصفات التي تحلت بها احداث
الرواية اذ إنها كانت تغضب وتحزن حين كان أطفال القرية يلتفون حول سيارة الهلال
الأحمر وهم يهتفون ......أمريكان ...أمريكان وإنها كانت تفند الكرم الأمريكي
لأطفال القرية حين كانوا يرمون الكرات ويوزعون الهدايا على الصغار وما يقابله من
تعامل للسجناء واحتقارهم للإنسان فينا وذكائهم في الوصول لكسره من الداخل والخارج
أيضا ً.
إنسانية العمل في الهلال الأحمر كانت تخضع لقوانين خالة البطلة
وتعتبر على ضوء الأعراف والتقاليد خرقا ً للعفة , والتحفظ وان صوتها الرافض لهذا
العمل كان صوت رصاص مغلف بالكلمات وان ما تقوم به زهرة من خلال تنقلها بين القرى
وتأخرها لساعات يضطرها أحيانا ً للمبيت فيها هو تضحيه بالسمعة والمستقبل ولا يجوز
وهي في عمر الزواج ان تفعل ذلك ...لكن عناد زهرة ودلالها كونها يتيمة الأبوين كان
يخرق تلك القوانين ويجعلها كقوانينا الحالية حبرا ً على ورق ...
صوت الحب الحقيقي في الرواية اجزم انه ظل محصورا ً في
درج مغطى بالذكريات , وان العشرون رسالة حب والتي لم تفصح عنها ولم تقرأ واحدة
منها هو ذاك الحب الحقيقي وما ظهور (ناصر) في حياتها في الصفحة (126) من الرواية
بالتحديد واختفائه تماما في الصفحة (220) الا استجداء للحب طمعا ً لغريزة الجسد
فقط.....
ولا اخفي عليكم ابتهاجي وأنا أجد ناصرا ً قد اندثر تماما
ً ولم يعد في حياة زهرة إلا أمنيات , وأحلاما ً من نسج الخيال , والأوهام ...فكيف
يصح لزهرة وهي الشخصية التي لا تخضع للنصيب بقدر ما تخضع لإرادتها أن تكون أرضا ً
محتلة لرجل يملك مبنى وثراء لامعنى له ....هو يشبه تلك النباتات الضارة التي كبرت
واعتاشت على خرائب الحروب وازدهرت .
لقد قام ناصر وعلى مدى (94) صفحة من أحداث الرواية يقدم
التنازلات ويقتفي أثارها ويلحق بها الى بيروت , يناور , ويخطط ليكسب زهرة ,
ويتزوجها وهو المتزوج من امرأة عاب ثقافتها ومستواها الدراسي ظنا ً منه ان يكسب
قلبها ويحقق هدفا ً في ان يجعل منها وعاء اخر لمائة المقدسة.............
ان قصة الحب المزعومة وان كان لها أثر كبير على قلب زهرة
وتصرفاتها الصبيانية غير محسوبة أحيانا ً ..... وأن فاجعة (سروة , وحازم ) منحت للراوية حزنا ً يضاهي لون غلافها الأسود القاتم
ولون الدم الذي اختلط بزرقة الحياة على وجه الغلاف وعنوانه ،ولم يكن اللون الابيض
الذي تصدر اسم الكاتبة والمقطع المقتطع من الصفحة (135) ووضعه في ظهر الغلاف الا
لونا ً لكفن ابيض لفت به الجثتان المتوسدتان بالرصاص التي مضت محمولة بسيارة تتبع
سيارة زهرة بالرصاص وطفل يتيم أخر يضاف
الى يتم زهرة وهي تهمس له لإسكاته ..
لقد صح ظني حين أوشت لي مقدمة الرواية بأنها كانت تحتوي
أكفانا ً للأموات والإحياء على حد سواء ...
وإنها قد انتهت بعبورها بوابة بغداد بوابة المجهول
والخوف التي ظلت تشرع أبوابها بوجه قادمين ...... قد لا يعودان بعدما ابتلعتهم في
ظلمة رحمها ...وعائدان لم يعودا يحلمان
بالرجوع إليها ........
بعدما شيعتهم إحياء ........ وأمواتا
ادعوكم جميعا لقراءة هذه الرواية ..فقد تشاطرون إهداء
المؤلفة لي حين باركت لي (خطواتنا المتعثرة حينا والثابتة حينا ً أخر وإنني قد أجد
بقايا وطن).
تعليقات
إرسال تعليق